إن
عوامل النجاح كثيرة – لا ريب في ذلك – ولكن في المقابل عوائق النجاح كثيرة
أيضًا، وهذا من طبائع الأمور، فكما أن هناك خيرًا؛ فهناك أيضًا شر، وكما
أن هناك نجاحًا فهناك إخفاق أو فشل.
ويقول أحدهم: كما يصيب كثير من الناس الكسل والضجر وهما من عوائق النجاح، يصيبني أيضًا الكسل عندما أهم بعمل شيء ما، أو إنجاز عمل ما، وقد كنت في الماضي كثير الاستسلام لحالة الضجر، وحالة الكسل عندما تصيبني..! إلى أن قررت في إحدى المرات أن أتحدى هذه الحالات، وألا أستسلم لها، وذلك عندما هممت بالقيام بالخطوات العملية للالتحاق بإحدى الهيئات العلمية الكبرى للحصول على دراسات هامة، وفارقة في حياتي العلمية، وحياتي العملية، والتي تحمست لها كثيرًا، وهيأت نفسي لخوضها، وما أن هممت بالقيام بالخطوات العملية لعملية الالتحاق حتى ظهرت بوادر الضجر، وتحالفت معها علامات الكسل، فبدأ حديث النفس عن تبعات ومشقة هذه الدراسات، وما تتطلبه من مال وفير، وجهد ومشقة كبيرة، ووجدت في نفسي ميلًا للاستماع لهذا الحديث، والاستمتاع بسماع الأعذار المحبطة والمثبطة عن مواصلة السير نحو هذا الالتحاق، فبدأت أردد: ما فائدة هذه الدراسات بعد أن وصلت إلى مكانة وظيفية مرموقة في عملك؟! وما الزيادة المالية التي سوف يزداد بها راتبك؟ وهل هذه الزيادة ستعوضك عن النفقات المالية، والجهد الكبير الذي ستبذله حتى تحصل على هذه الدراسات؟ وماذا إذا التحقت وأنفقت المال، وبذلت الجهد، ولم يحالفك النجاح والتوفيق في الحصـول على الشهادة المأمولة، والعلم المطلوب من وراء هذه الدراسات؟ وماذا... إلخ.
ولكنني تنبهت لهذه الوساوس، وهذه المثبطات، والمحبطات - التي نجحت في خلق حالة من الضجر في نفسي - في الوقت المناسب، فقررت أن أسبح ضد تيارها، وألا أستسلم لها.
ورددت في نفسي كثيرًا: إن الكسل يؤدي للفشل، إن الضجر عدو النجاح، حتى رسخت هذه العبارات في عقلي الباطن، مما ساعدني كثيرًا – مع عوامل أخرى لجأت إليها - على محو فكرة الاستسلام للضجر والكسل كلما هاجمتني، وذلك ساعدني كثيرًا على مواصلة الدراسة، والنجاح فيها، مما انعكس بالفائدة التي كنت أتوقعها على مستقبلي العلمي والعملي على السواء.
هذا ما صرحت به لصديقي عندما شكا لي حاله، ووصف لي شعوره المستمر بالضجر، ورغبته الملحة في الكسل، وعدم البدء في مشروعه الذي تحمس له كثيرًا، بل التوقف عن مشروع كان قد بدأه منذ فترة وجيزة.. وقد لاحظت عليه الاهتمام والانجذاب لحديثي، حتى فاجأني بطلب الاسترسال أكثر، وأن أحدثه عن حقيقة الضجر، وكيف يفرق بينه وبين الكسل، وماذا يفعل للتخلص من آثارهما السلبية؟
قلت: إن الضجر (الضيق، الزهق) من أقوى الآفات المؤدية إلى الفشل الذريع!! فهو عدو لدود للنجاح والتقدم في الحياة، حيث يستنزف طاقات وقدرات من يستسلم له، ويدفعه إلى إهمال الأعمال والمهام الموكلة إليه، أو التي حددها لنفسه، وعدم الاستمرار في أدائها وإنجازها.
والضجر يصيب من يستسلم له بعدم الصبر، والملل السريع من أي عمل يقوم به، أو مهمة يؤديها، أو دراسة يدرسها... إلخ فنراه يترك هذا العمل أو تلك الدراسة في منتصف الطريق دون أن يكملها.
فكم من الأعمال التي بُدئ في تنفيذها ولم تكتمل؟ للأسف هذه الأعمال أكثر بكثير من الأعمال التي بدئ في تنفيذها واكتملت، وكثير من الذين يبدؤون السير في إنجاز مهام ما يتوقفون ولا يكملون السير.
إن مشكلة الضجر الرئيسية تتمثل في جعل من يتبناه -مستسلمًا له- ترك الواجبات والمسؤوليات، والمهام، والأعمال في منتصف الطريق، وما يسببه ذلك من خسائر كبيرة، مادية ومعنوية، قد يفقد هذا المستسلم أمواله، أو عمله، أو تفقده الثقة في نفسه، فلا تقوم له قائمة بعد ذلك، أو قد يحتاج إلى وقت طويل لاسترجاع ماله، أو ثقته في نفسه، أو الالتحاق عمل مناسب.
• وسائل تساعدك على التخلص من حالة الضجر:
1- قم بإهمال الضجر، ولا تعمل به: فإذا تعرضت لحالة من الضجر أثناء قيامك بأداء عمل ما لا تستلم لها، وأهملها، ولا تسر خلفها أيًا كانت المغريات التي تتوهمها من وراء الاستسلام لحالة الضجر، فمواصلة إنجاز عملك، والصبر على ذلك أقوى سلاح للقضاء على حالة الضجر.
2- دَرِّب نفسك دومًا على اكتساب صفة الصبر: إذا تمسكت وحرصت على إنهاء عمل ما، أو حل مشكلة ما، ولم تهرب منها لأي سبب من الأسباب، فهذا تدريب عملي ناجح على اكتساب مهارة الصبر. فمن الطبيعي أن يضيق أي إنسان ويضجر أثناء عمله، ولكن ليس من الطبيعي أن يدفعه هذا الضيق إلى ترك عمله، وإلا لتوقفت كل الأعمال، وهذا أمر لا يستقيم مع الفطرة، فلكل عمل مشاكله ومتاعبه، وصعوباته، والإنسان الكيس الفطن هو الذي يكيف نفسه للتعامل في كافة الأجواء والظروف، وهذا التكيف لن يأتي إلا بالصبر على مشاكل وصعوبات العمل.
3- لا تجعل الضجر صفة من صفاتك، بل تحل دومًا بطول البال، وسعة الصدر، وانظر إلى المشاكل والصعوبات من أعلى، ورسخ في نفسك أنك قادر على مواجهة الصعوبات دومًا، وأنك بتوكلك على الله سبحانه، ثم أخذك بالأسباب قادر على حل المشكلات التي تعترضك، وأنك لست من المستسلمين، أو الهاربين من مواجهة الصعوبات والمشاكل العملية.
4- أقم تحديا بينك وبين نفسك: حدد لنفسك بعد تخطيط سليم وقتًا لإنجاز عمل ما، أو تحقيق تقدير معين في دراستك... إلخ وحدد في المقابل المكافأة التي ستكافئ بها نفسك إذا اجتزت هذا التحدي بنجاح.
5- حدد لنفسك هدفًا رئيسيًا بعيد المدى، وجزئه إلى أهداف فرعية متوسطة المدى، ثم أهداف قصيرة المدى – ولتكن يومية – واجتهد في إنجازها قبل نهاية اليوم، مهما تعرضت لصعوبات، أو مغريات للقيام بأعمال بديلة خدمة لهدف آخر.
6- استخدم المرونة مع نفسك: فالنفس قاسية تحتاج إلى حنكة ومرونة في ترويضها، فاجعل يومًا أسبوعيا لإنجاز الأعمال التي لم تتمكن من إنجازها لظروف قاهرة أثناء الأسبوع المنقضي.
7- احذر التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى الغد، فهذا من أهم الأسباب المؤدية للضجر وترك الأعمال في منتصف الطريق، فعمل اليوم لا يمكن عمله إلا اليوم، فالناجح يخطط ويوزع أعماله على الأيام التي يعتبرها سلسلة من الأيام الناجحة التي ينجز فيها أعمالاً ناجحة ومتتابعة، فكل يوم عند الناجح وحدة مستقلة بذاتها لها ما يخصها من أعمال، وهذا يعد من أهم أسباب قوة التركيز في المتابعة والإنجاز، والتقييم لعمله.
أما الكسل: فيمنع من يستسلم له من البدء في العمل منذ البداية، حيث يصيب الكسل هذا المستلم له بالإحباط، والوهم، والقعود، والاستسلام إلى وضعه القائم.
ومشكلة الكسل الذي يصيب كثيرا من الناس لا تنحصر في آثارها السلبية في عدم البدء في عمل ما فحسب، بل تمتد إلى عدم التفكير في الأعمال، أو المهام التي يجب القيام بها وإنجازها.
إن الكسل من أهم العوامل المغذية والمساعدة على الفشل، فهو نقيض النشاط الذي يعد من أهم العوامل المساعدة على النجاح.
والإنسان الكسول لن يحصد إلا الفشل الذريع، والهزيمة النكراء في كل عمل قد يفكر في القيام به ويمنعه كسله من ذلك، وهذه نتيجة طبيعية وحتمية، وتتفق مع القاعدة الشهيرة: «الجزاء من جنس العمل» فالذي لا يزرع لا يحصد، والذي ينشط، ويجتهد في عمله، ويصبر ويثابر، ويقدم بلا تردد، ولا يفوت الفرص السانحة أمامه إلا ويقتنصها يحصد الثمار اليانعة في النهاية.
إن السالك لطريق الكسل يصاحبه الضياع، والفقر، والحاجة، ويجد نفسه في نهاية المطاف من أصحاب اليد السفلى، ومن المتواكلين على الناس السائلين لهم، وهذا وضع يأباه كل حر عفيف على نفسه.
يقول أحد الحكماء : «ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه كسل، وخصومة يخامرها حسد، ومرض يمازجه هرم».
إذ كيف يمكن للإنسان الفقير أن يغير من وضعه بدون العمل، والعمل الجاد؟ فإن خلد للكسل، وركن إلى الدعة، فسوف يزداد فقرًا على فقر، وعوز على عوز، وسيبقى هكذا إلى أن يفيق ويتخلى عن كسله.
وأتساءل: كيف يتمكن (الموظف، أو الطالب، أو غيرهم) الخامل الكسول من تحقيق تقدم ملموس في حياته العملية، أو حياته العلمية، وهو بعيد كل البعد عن النشاط الذي يعد أحد الأسباب القوية والفعالة في سبيل التقدم الوظيفي أو المهني، أو طلب العلم؟
إن الكسول الذي لا يسعى إلى العمل الجاد قد يعرض نفسه للوقوع في شرك الجريمة إذا اضطرته الظروف والحاجة والعوز إلى التكسب السريع الذي لا جهد فيه ، فقد يلجأ إلى الرشوة، أو السرقة، أو الاحتيال للسطو على أموال الغير ... إلخ مما يؤدي به إلى التعرض للعقاب الدنيوي، فضلاً عن سوء العاقبة -إن شاء الله- في الآخرة، وفي هذا الخسران المبين الذي يؤدي إليه الكسل، والقعود عن السعي الجاد في طلب الرزق الحلال، الذي يضمن لصاحبه حياة كريمة في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة - إن شاء الله -.
والكسول في العمل الذي يقتات من ورائه، تراه كسولًا في كل شيء حتى في العبادات، وهو بذلك يضن على نفسه الأجر والمثوبة، ويحرم نفسه خيرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، بل قد يضع نفسه في مصاف المنافقين وما ينتظرهم من عذاب أليم - إن شاء الله -، يقول الله سبحانه وتعالى: }إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم.. وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى{ (النساء: 142)، ويقول سبحانه: }إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار{.
وحقيقة يجب أن نوضحها، أن هناك فرقا كبيرا بين الكسل والراحة، فالراحة مطلوبة بعد التعب في أداء عمل ما، أو إنجاز مهمة معينة، أو دراسة ما، فالراحة هنا واجبة حتى يستعيد صاحبها قواه، ليتمكن من مواصلة العمل، أو الدراسة.
أما الكسل فهو تظاهر من صاحبه بالتعب، فالكسول لا يعمل حتى يصيبه التعب ومن ثم يستحق الراحة، بل يتوانى ويسوف دائمًا.
ومن البجاحة أن يبرر الكسول كسله بأنه زهد في الدنيا، وهذا يخالف الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، وأمرهم بالعمل، والسعي على طلب الرزق، وإعمار الأرض، والذي لن يتم إلا بالعمل الجاد الشاق، وليس بالكسل، والركون إلى الراحة، فحقيقة هذا الكسول أنه زاهد في الدين، وليس زاهدًا في الدنيا.
وبعد كل ذلك تتبين لنا خطورة الكسل، وما يؤدي إليه من توان، وقعود، وخمول، وبالتالي إلى إهمال الهم بالبدء في الأعمال، وهذا الإهمال يؤدي إلى المصير المحتوم، والبغيض في نفس كل طامح إلى النجاح والتميز ألا وهو الفشل.
• وسائل تساعدك على تجنب الكسل:
1- عِدْ نفسك بأنك إذا أنجزت مهمة عملية أو علمية بكفاءة عالية، أنك ستأخذ قسطًا وفيرًا من الراحة، والاستجمام والتنزه.
2- أقنع نفسك بأن الشيء الوحيد الذي يحول بينك وبين الراحة، والاستجمام والتنزه هو إنجازك الكفء للمهمة التي حددتها لنفسك.
3- رسخ في نفسك حقيقة هامة وهي: أن حصاد الثمار اليانعة والمبهجة يسبقه زرع، يحتاج إلى عناية فائقة، تتطلب نشاطا مستمرا ومتواصلا.
4- تخيل أن المهمة التي حددتها لنفسك عدو لك، تريد أن تهجم عليه بهمة ونشاط، وقوة لتقضي عليه.
5- رسخ ونمّ في نفسك القدرة على تحدي الكسل، بمزيد من النشاط المتجدد والمتواصل، حتى تتمكن من استغلال كامل دوافعك، وطاقاتك وقدراتك، ومهاراتك عند الهم بالبدء في وتنفيذ أي عمل أو مهمة.
6- بعد انتهائك مباشرة من القضاء على المهمة على الوجه الذي خططته، قم فورًا بأخذ القسط الوفير من الراحة الذي وعدت نفسك به، كمكافأة على هذا الإنجاز.
للإشارة منقول
ويقول أحدهم: كما يصيب كثير من الناس الكسل والضجر وهما من عوائق النجاح، يصيبني أيضًا الكسل عندما أهم بعمل شيء ما، أو إنجاز عمل ما، وقد كنت في الماضي كثير الاستسلام لحالة الضجر، وحالة الكسل عندما تصيبني..! إلى أن قررت في إحدى المرات أن أتحدى هذه الحالات، وألا أستسلم لها، وذلك عندما هممت بالقيام بالخطوات العملية للالتحاق بإحدى الهيئات العلمية الكبرى للحصول على دراسات هامة، وفارقة في حياتي العلمية، وحياتي العملية، والتي تحمست لها كثيرًا، وهيأت نفسي لخوضها، وما أن هممت بالقيام بالخطوات العملية لعملية الالتحاق حتى ظهرت بوادر الضجر، وتحالفت معها علامات الكسل، فبدأ حديث النفس عن تبعات ومشقة هذه الدراسات، وما تتطلبه من مال وفير، وجهد ومشقة كبيرة، ووجدت في نفسي ميلًا للاستماع لهذا الحديث، والاستمتاع بسماع الأعذار المحبطة والمثبطة عن مواصلة السير نحو هذا الالتحاق، فبدأت أردد: ما فائدة هذه الدراسات بعد أن وصلت إلى مكانة وظيفية مرموقة في عملك؟! وما الزيادة المالية التي سوف يزداد بها راتبك؟ وهل هذه الزيادة ستعوضك عن النفقات المالية، والجهد الكبير الذي ستبذله حتى تحصل على هذه الدراسات؟ وماذا إذا التحقت وأنفقت المال، وبذلت الجهد، ولم يحالفك النجاح والتوفيق في الحصـول على الشهادة المأمولة، والعلم المطلوب من وراء هذه الدراسات؟ وماذا... إلخ.
ولكنني تنبهت لهذه الوساوس، وهذه المثبطات، والمحبطات - التي نجحت في خلق حالة من الضجر في نفسي - في الوقت المناسب، فقررت أن أسبح ضد تيارها، وألا أستسلم لها.
ورددت في نفسي كثيرًا: إن الكسل يؤدي للفشل، إن الضجر عدو النجاح، حتى رسخت هذه العبارات في عقلي الباطن، مما ساعدني كثيرًا – مع عوامل أخرى لجأت إليها - على محو فكرة الاستسلام للضجر والكسل كلما هاجمتني، وذلك ساعدني كثيرًا على مواصلة الدراسة، والنجاح فيها، مما انعكس بالفائدة التي كنت أتوقعها على مستقبلي العلمي والعملي على السواء.
هذا ما صرحت به لصديقي عندما شكا لي حاله، ووصف لي شعوره المستمر بالضجر، ورغبته الملحة في الكسل، وعدم البدء في مشروعه الذي تحمس له كثيرًا، بل التوقف عن مشروع كان قد بدأه منذ فترة وجيزة.. وقد لاحظت عليه الاهتمام والانجذاب لحديثي، حتى فاجأني بطلب الاسترسال أكثر، وأن أحدثه عن حقيقة الضجر، وكيف يفرق بينه وبين الكسل، وماذا يفعل للتخلص من آثارهما السلبية؟
قلت: إن الضجر (الضيق، الزهق) من أقوى الآفات المؤدية إلى الفشل الذريع!! فهو عدو لدود للنجاح والتقدم في الحياة، حيث يستنزف طاقات وقدرات من يستسلم له، ويدفعه إلى إهمال الأعمال والمهام الموكلة إليه، أو التي حددها لنفسه، وعدم الاستمرار في أدائها وإنجازها.
والضجر يصيب من يستسلم له بعدم الصبر، والملل السريع من أي عمل يقوم به، أو مهمة يؤديها، أو دراسة يدرسها... إلخ فنراه يترك هذا العمل أو تلك الدراسة في منتصف الطريق دون أن يكملها.
فكم من الأعمال التي بُدئ في تنفيذها ولم تكتمل؟ للأسف هذه الأعمال أكثر بكثير من الأعمال التي بدئ في تنفيذها واكتملت، وكثير من الذين يبدؤون السير في إنجاز مهام ما يتوقفون ولا يكملون السير.
إن مشكلة الضجر الرئيسية تتمثل في جعل من يتبناه -مستسلمًا له- ترك الواجبات والمسؤوليات، والمهام، والأعمال في منتصف الطريق، وما يسببه ذلك من خسائر كبيرة، مادية ومعنوية، قد يفقد هذا المستسلم أمواله، أو عمله، أو تفقده الثقة في نفسه، فلا تقوم له قائمة بعد ذلك، أو قد يحتاج إلى وقت طويل لاسترجاع ماله، أو ثقته في نفسه، أو الالتحاق عمل مناسب.
• وسائل تساعدك على التخلص من حالة الضجر:
1- قم بإهمال الضجر، ولا تعمل به: فإذا تعرضت لحالة من الضجر أثناء قيامك بأداء عمل ما لا تستلم لها، وأهملها، ولا تسر خلفها أيًا كانت المغريات التي تتوهمها من وراء الاستسلام لحالة الضجر، فمواصلة إنجاز عملك، والصبر على ذلك أقوى سلاح للقضاء على حالة الضجر.
2- دَرِّب نفسك دومًا على اكتساب صفة الصبر: إذا تمسكت وحرصت على إنهاء عمل ما، أو حل مشكلة ما، ولم تهرب منها لأي سبب من الأسباب، فهذا تدريب عملي ناجح على اكتساب مهارة الصبر. فمن الطبيعي أن يضيق أي إنسان ويضجر أثناء عمله، ولكن ليس من الطبيعي أن يدفعه هذا الضيق إلى ترك عمله، وإلا لتوقفت كل الأعمال، وهذا أمر لا يستقيم مع الفطرة، فلكل عمل مشاكله ومتاعبه، وصعوباته، والإنسان الكيس الفطن هو الذي يكيف نفسه للتعامل في كافة الأجواء والظروف، وهذا التكيف لن يأتي إلا بالصبر على مشاكل وصعوبات العمل.
3- لا تجعل الضجر صفة من صفاتك، بل تحل دومًا بطول البال، وسعة الصدر، وانظر إلى المشاكل والصعوبات من أعلى، ورسخ في نفسك أنك قادر على مواجهة الصعوبات دومًا، وأنك بتوكلك على الله سبحانه، ثم أخذك بالأسباب قادر على حل المشكلات التي تعترضك، وأنك لست من المستسلمين، أو الهاربين من مواجهة الصعوبات والمشاكل العملية.
4- أقم تحديا بينك وبين نفسك: حدد لنفسك بعد تخطيط سليم وقتًا لإنجاز عمل ما، أو تحقيق تقدير معين في دراستك... إلخ وحدد في المقابل المكافأة التي ستكافئ بها نفسك إذا اجتزت هذا التحدي بنجاح.
5- حدد لنفسك هدفًا رئيسيًا بعيد المدى، وجزئه إلى أهداف فرعية متوسطة المدى، ثم أهداف قصيرة المدى – ولتكن يومية – واجتهد في إنجازها قبل نهاية اليوم، مهما تعرضت لصعوبات، أو مغريات للقيام بأعمال بديلة خدمة لهدف آخر.
6- استخدم المرونة مع نفسك: فالنفس قاسية تحتاج إلى حنكة ومرونة في ترويضها، فاجعل يومًا أسبوعيا لإنجاز الأعمال التي لم تتمكن من إنجازها لظروف قاهرة أثناء الأسبوع المنقضي.
7- احذر التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى الغد، فهذا من أهم الأسباب المؤدية للضجر وترك الأعمال في منتصف الطريق، فعمل اليوم لا يمكن عمله إلا اليوم، فالناجح يخطط ويوزع أعماله على الأيام التي يعتبرها سلسلة من الأيام الناجحة التي ينجز فيها أعمالاً ناجحة ومتتابعة، فكل يوم عند الناجح وحدة مستقلة بذاتها لها ما يخصها من أعمال، وهذا يعد من أهم أسباب قوة التركيز في المتابعة والإنجاز، والتقييم لعمله.
أما الكسل: فيمنع من يستسلم له من البدء في العمل منذ البداية، حيث يصيب الكسل هذا المستلم له بالإحباط، والوهم، والقعود، والاستسلام إلى وضعه القائم.
ومشكلة الكسل الذي يصيب كثيرا من الناس لا تنحصر في آثارها السلبية في عدم البدء في عمل ما فحسب، بل تمتد إلى عدم التفكير في الأعمال، أو المهام التي يجب القيام بها وإنجازها.
إن الكسل من أهم العوامل المغذية والمساعدة على الفشل، فهو نقيض النشاط الذي يعد من أهم العوامل المساعدة على النجاح.
والإنسان الكسول لن يحصد إلا الفشل الذريع، والهزيمة النكراء في كل عمل قد يفكر في القيام به ويمنعه كسله من ذلك، وهذه نتيجة طبيعية وحتمية، وتتفق مع القاعدة الشهيرة: «الجزاء من جنس العمل» فالذي لا يزرع لا يحصد، والذي ينشط، ويجتهد في عمله، ويصبر ويثابر، ويقدم بلا تردد، ولا يفوت الفرص السانحة أمامه إلا ويقتنصها يحصد الثمار اليانعة في النهاية.
إن السالك لطريق الكسل يصاحبه الضياع، والفقر، والحاجة، ويجد نفسه في نهاية المطاف من أصحاب اليد السفلى، ومن المتواكلين على الناس السائلين لهم، وهذا وضع يأباه كل حر عفيف على نفسه.
يقول أحد الحكماء : «ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه كسل، وخصومة يخامرها حسد، ومرض يمازجه هرم».
إذ كيف يمكن للإنسان الفقير أن يغير من وضعه بدون العمل، والعمل الجاد؟ فإن خلد للكسل، وركن إلى الدعة، فسوف يزداد فقرًا على فقر، وعوز على عوز، وسيبقى هكذا إلى أن يفيق ويتخلى عن كسله.
وأتساءل: كيف يتمكن (الموظف، أو الطالب، أو غيرهم) الخامل الكسول من تحقيق تقدم ملموس في حياته العملية، أو حياته العلمية، وهو بعيد كل البعد عن النشاط الذي يعد أحد الأسباب القوية والفعالة في سبيل التقدم الوظيفي أو المهني، أو طلب العلم؟
إن الكسول الذي لا يسعى إلى العمل الجاد قد يعرض نفسه للوقوع في شرك الجريمة إذا اضطرته الظروف والحاجة والعوز إلى التكسب السريع الذي لا جهد فيه ، فقد يلجأ إلى الرشوة، أو السرقة، أو الاحتيال للسطو على أموال الغير ... إلخ مما يؤدي به إلى التعرض للعقاب الدنيوي، فضلاً عن سوء العاقبة -إن شاء الله- في الآخرة، وفي هذا الخسران المبين الذي يؤدي إليه الكسل، والقعود عن السعي الجاد في طلب الرزق الحلال، الذي يضمن لصاحبه حياة كريمة في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة - إن شاء الله -.
والكسول في العمل الذي يقتات من ورائه، تراه كسولًا في كل شيء حتى في العبادات، وهو بذلك يضن على نفسه الأجر والمثوبة، ويحرم نفسه خيرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، بل قد يضع نفسه في مصاف المنافقين وما ينتظرهم من عذاب أليم - إن شاء الله -، يقول الله سبحانه وتعالى: }إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم.. وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى{ (النساء: 142)، ويقول سبحانه: }إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار{.
وحقيقة يجب أن نوضحها، أن هناك فرقا كبيرا بين الكسل والراحة، فالراحة مطلوبة بعد التعب في أداء عمل ما، أو إنجاز مهمة معينة، أو دراسة ما، فالراحة هنا واجبة حتى يستعيد صاحبها قواه، ليتمكن من مواصلة العمل، أو الدراسة.
أما الكسل فهو تظاهر من صاحبه بالتعب، فالكسول لا يعمل حتى يصيبه التعب ومن ثم يستحق الراحة، بل يتوانى ويسوف دائمًا.
ومن البجاحة أن يبرر الكسول كسله بأنه زهد في الدنيا، وهذا يخالف الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، وأمرهم بالعمل، والسعي على طلب الرزق، وإعمار الأرض، والذي لن يتم إلا بالعمل الجاد الشاق، وليس بالكسل، والركون إلى الراحة، فحقيقة هذا الكسول أنه زاهد في الدين، وليس زاهدًا في الدنيا.
وبعد كل ذلك تتبين لنا خطورة الكسل، وما يؤدي إليه من توان، وقعود، وخمول، وبالتالي إلى إهمال الهم بالبدء في الأعمال، وهذا الإهمال يؤدي إلى المصير المحتوم، والبغيض في نفس كل طامح إلى النجاح والتميز ألا وهو الفشل.
• وسائل تساعدك على تجنب الكسل:
1- عِدْ نفسك بأنك إذا أنجزت مهمة عملية أو علمية بكفاءة عالية، أنك ستأخذ قسطًا وفيرًا من الراحة، والاستجمام والتنزه.
2- أقنع نفسك بأن الشيء الوحيد الذي يحول بينك وبين الراحة، والاستجمام والتنزه هو إنجازك الكفء للمهمة التي حددتها لنفسك.
3- رسخ في نفسك حقيقة هامة وهي: أن حصاد الثمار اليانعة والمبهجة يسبقه زرع، يحتاج إلى عناية فائقة، تتطلب نشاطا مستمرا ومتواصلا.
4- تخيل أن المهمة التي حددتها لنفسك عدو لك، تريد أن تهجم عليه بهمة ونشاط، وقوة لتقضي عليه.
5- رسخ ونمّ في نفسك القدرة على تحدي الكسل، بمزيد من النشاط المتجدد والمتواصل، حتى تتمكن من استغلال كامل دوافعك، وطاقاتك وقدراتك، ومهاراتك عند الهم بالبدء في وتنفيذ أي عمل أو مهمة.
6- بعد انتهائك مباشرة من القضاء على المهمة على الوجه الذي خططته، قم فورًا بأخذ القسط الوفير من الراحة الذي وعدت نفسك به، كمكافأة على هذا الإنجاز.
للإشارة منقول